ابو موسى الاشعري

عندما بعثه امير المومنين (عمر بن الخطاب ) الى البصره ليكون اميرها وواليها جمع اهلها وقام فيهم خطيبا فقال : ((ان امير المومنين (عمر) بعثني اليكم اعلمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم وانظف لكم طرقكم ))..!!
وغشي الناس من الدهش والعجب ماغشيهم فانهم ليفهمون كيف يكون تثقيف الناس وتفقيههم في دينهم من واجبات الحاكم والامير ؟ اما ان يكون من واجباته تنظيف طرقاتهم ،فذاك شيء جديد عليهم بل مثير وعجيب !!..
فمن هذا الوالي الذي قال عنه الحسن - رضي الله عنه - :
((ما اتى البصره راكب خير لاهلها منه ))..؟؟
***
انه ((عبد الله بن قيس)) المكنى ب((ابو موسى الاشعري))..
غادر ((اليمن)) بلده ووطنه الى ((مكه)) فور سماعه برسول ظهر هناك يهتف بالتوحيد ، ويدعو الى الله على بصيره ،ويامر بمكارم الاخلاق ..
وفي مكه جلس بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وتلقى عنه الهدى واليقين ..
وعاد الى بلاده يحمل كلمه الله ، ثم رجع الى رسول (عليه الصلاة والسلام )اثر فراغه من فتح خيبر ..ووافق قدومه قدوم (جعفر بن ابي طالب ) مقبلا مع اصحابه من الحبشه، فاسهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) لهم جميعا..
وفي هذه المره لم يات ((ابو موسى الاشعري)) وحده ، بل جاء معه بضعه وخمسون رجلا من اهل اليمن الذي لقنهم الاسلام ، واخوان شقيقان له ، هما:ابو رهم ، وابو بردة ..
وسمى الرسول (صلى الله عليه وسلم ) هذا الوفد ..بل سمى قومهم جميعا بالاشعريين ..
ونعتهم الرسول -عليه الصلاة والسلام -بانهم ارق الناس افئدة..
وكثيرا ما كان يضرب بهم المثل الاعلى لاصحابه ، فيقول فيهم وعنهم Sad

(ان الاشعريين اذا ارملو في غزو ، او اقل في ايديهم الطعام ، جمعوا ما عندهم في ثوب واحد ، ثم اقتسموه بالسويه ، فهم مني، وانا منهم ))..!!
ومن ذلك اليوم اخذ (ابو موسى) مكانه الدائم والعالي بين المسلمين والمومنين الذين قدر لهم ان يكونوا اصحاب رسول الله -عليه الصلاة والسلام-وتلامذته ، وان يكونوا حمله الاسلام الى الدنيا في كل عصورها ودهورها ..
***
(ابو موسى) مزيج عجيب من صفات عظيمه ..
فهو مقاتل جسور ، ومناضل صلب اذا اضطر لقتال ..
وهو مسالم ، طيب ، وديع الى اقصى غايات الطيبه والواداعه ..!!
وهو فقيه ، حصيف ، ذكي ، يجيد تصويب فهمه الى مغاليق الامور ، ويتالق في الافتاء والقضاء ، حتى قيل :
قضاة هذه الامه اربعه:
(عمر ، وعلي ، وابو موسى ، وزيد بن ثابت) ..!!
ثم هو ، مع هذا ، صاحب فطرة بريئة ، من خدعه في الله انخدع له .!!
وهو عظيم الولاء لمسئولياته ..
وكبير الثقه بالناس ..
لو اردنا ان نختار من واقع حياته شعارا ، لكانت هذه العبارة :
(الاخلاص وليكون ما يكون) ..
في مواطن الجهاد ، كان ( الاشعري ) يحمل مسئولياته في استبسال مجيد ، مما جعل رسول الله (عليه الصلاة والسلام ) يقول عنه :
( سيد الفوارس ابو موسى ) ...!!
وانه ليرينا صورة من حياته كمقاتل ، فيقول :
(خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) في غزاة ، نقبت فيها اقدامنا ، ونقبت قدماي ، وتساقطت اظفاري ، حتى لففنا اقدامنا بالخرق )..!!
وما كانت طيبته وسلامة طوبته ليغريا به عدوا في القتال ..
فهو في موطن كهذا يرى الامور في وضوح كامل ، ويحسمها في عزم اكيد ..
ولقد حدث والمسلمون يفتحون بلاد فارس ان هبط الاشعري بجيشه على اهل اصبهان الذين صالحوه على الجزيه ، فصالحهم ..
بيد انهم في صلحهم ذاك لم يكونوا صادقين .. انما ارادوا ان يهيئوا لانفسهم فرصة الاعداد لضربة غادرة ..
ولكن فطنة (ابو موسى) التي لاتغيب في مواطن الحاجه اليها كانت تستشف امر اولئك وما يبيتون .. فلما هموا بضربتهم لم يوخذ القائد على غرة ، وهنالك بارزهم القتال
،،،فلم ينتصف النهار حتى كان قد انتصر انتصارا باهرا ..!!
وفي المعارك التي خاضها المسلمون ضد امبراطوريه الفرس كان ( لابي موسى الاشعري ) رضي الله عنه ، بلاؤه العظيم وجهاده الكريم ...
كان (ابو موسى ) رضي الله عنه -موضع ثقه رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وحبه ، وموضع ثقه خلفائه واصحابه ، وحبهم ..
ففي حياته - عليه الصلاة والسلام - ولاه مع ( معاذ بن جبل ) امر اليمن ..
وبعد وفاه الرسول عاد الى المدينه ، ليحمل مسئولياته في الجهاد الكبير الذي خاضته جيوش الاسلام ضد فارس والروم ..
وفي عهد امير المومنين ( عمر ) ولاه البصرة ..
وولاه الخليفه ( عثمان ) الكوفه ..
***
وكان من اهل القران ، وفقها ، وعملا ..
ومن كلماته المضيئه عن القران :
(( اتبعوا القران ...
ولاتطمعوا في ان يتبعكم القران ))...!!
وكان من اهل العباده المثابرين ..
وفي الايام القائظة التي يكاد حرها يزهق الانفاس كنت تجد ( ابو موسى ) يلقاها لقاء مشتاق ،ليصومها ويقول :
(لعل ظما الهواجر يكون لنا ريا يوم القيامه) ...
***
وذات يوم رطيب جاءه اجله ..
وكست محياه اشراقه من يرجو رحمه الله وحسن ثوابه ..
والكلمات التي يرددها دائما طوال حياته المؤمنه ، راح لسانه الان وهو في لحظات الرحيل يرددها ...
تلك هي :
((اللهم انت السلام ... ومنك السلام ))...

احسنتي بارك الله فيك اختي الكريمه .